تجتاحُ العالمَ العربيَّ منذ ُ بداياتِ هذا القرن ِ ، موجة ٌ من الإلحادِ والرّدةِ ، لم تعرفْ لها المنطقة ُ مثيلاً ، في الوقتِ الذي بدأتْ فيهِ هذه المذاهبُ بالانحسار ِ في العالم ِ الغربيِّ ، وأخذتِ الناسُ تناغمُ بينَ العلم ِ والدين ِ ، وتُهادنُ بينهما ، بعدَ مرحلةِ قطيعةٍ كبرى بينهما ، نشأتْ في منتصفِ القرن ِ الثامن عشر الميلاديِّ ، وأدّتْ إلى اجتياح ِ الإلحادِ والكفر ِ ، في أوساطِ المفكّرينَ والفلاسفةِ ، واجتياح ِ النظام ِ العلمانيِّ للحياةِ العامّةِ في أوروبا ، بعدَ أن هيمنتْ عليها الكنيسة ُ قروناً طويلة ً من الزمان ِ .
الإلحادُ يحملُ أحدَ معنيين ِ
:
أوّلهما : إنكارُ وجودِ الخالق ِ ، والقولُ
بأزليّةِ المادّةِ ، وأنّها خالقة ٌ مخلوقة ٌ .
ثانيهما – وهو من إضافاتِ أفلاطونَ - :
إثباتُ وجودِ خالق ٍ أو صانع ٍ ، ولكنّها لا تُعنى بشيءٍ من حياةِ الخلق ِ ، فهي موجدة
ٌ للخلق ِ ، لكنّها تركتْ التصرّفَ في الكون ِ ، وتفرّغتْ في حياتها المثاليّةِ ، وقد
كانَ يقولُ بهذا القول ِ من الفلاسفةِ : أبيقور .
لم تعرفِ الأرضُ انتشاراً للإلحادِ ، ونفوذاً
قويّاً لهُ ، إلا في العصور ِ المتأخرةِ ، فقد كان يوجدُ منهم فئامٌ وأشتاتٌ ، ولكنّهم
قلائلُ ، ولا يجمعهم مذهبٌ ، أو يُقيّدهم فكرٌ ، وإنّما بحسبِ ما يعنو للواحدِ منهم
ويظهرُ ، وقد كانوا يسمّونَ قديماً بالدهريينَ ، وحكى الإمامُ الشهرستانيُّ في كتابهِ
" الملل ِ والنِحَل ِ " أنّ الدهريينَ من كفّار ِ مكّة َ وغيرها ، كانوا
أقلّ النّاس ِ ، وإنّما غلبَ على أهل ِ مكّة َ وجزيرةِ العربِ الشركُ ، وعبادة ُ غير
ِ اللهِ معهُ ، مع إثباتِ أنّهُ الخالقُ وحدهُ ، خلافاً للمانويّةِ الذين يُبتونَ خالقين
ِ أحدهما النورُ وهو خالقُ الخير ِ ، والآخرُ الظلامُ وهو خالقُ الشرِّ
.
يذكرُ الدكتورُ جعفر شيخ إدريس أنّ أوّلَ
كتابٍ مُصرّح ٍ بالإلحادِ ، وداع ٍ لهُ ، ظهرَ في أوروبا في سنةِ 1770 م ، وهذه الفترة
ُ الحرجة ُ هي الفترة ُ التي بدأتْ فيها الشعوبُ الأوربيّة ُ تضجُّ من حكم ِ الكنيسةِ
، وتدعو للثورةِ عليهِ ، وقد تبنّى الفكرَ الإلحاديَّ في أوروبا كبارُ الفلاسفةِ والمؤرخينَ
، من أمثال ِ : نيتشة ، وفولتيير ، وكارل ماركس ، وإنجلز ، وراسل ، وكونت ، وغيرهم
من كِبار ِ الفلاسفةِ وعلماءِ الاجتماع ِ والتأريخ ِ ، ممّا حدا النّاسَ إلى الوثوق
ِ بهم ، والتحوّل ِ إلى آرائهم ، كردّةِ فعل ٍ للمواقفِ المُتسلّطةِ للكنيسةِ ، وكذلكَ
ظهور ِ مجموعةِ من التناقضاتِ بينَ الدين ِ النصرانيِّ المُحرّفِ ، وبينَ بعض ِ المُخترعاتِ
والمُكتشفاتِ العلميّةِ .
ومع ظهور ِ بوادر ِ الإلحادِ ، نشأتْ العديدُ
من المدارس ِ والمذاهبِ الفكريّةِ والاجتماعيّةِ ، والتي تصُبُ في مصبِّ الإلحادِ ،
وتستلهمُ منهُ مادّتها ، وترسّخُ مبادئهُ ، ومن أشهر ِ تلكَ المذاهبِ والمدارس ِ
:
- العلمانيّة ُ : وهو مذهبٌ كفريٌّ ، نشأ
في ظروفٍ عصيبةٍ في أوروبا ، خلالَ القرن ِ الثامن عشر ، وذلكَ بسببِ طغيان ِ الكنيسةِ
، وتبرّم ِ الناس ِ منها ومن نفوذِ رجالها ، ومُحاربةِ الكنيسةِ للعلوم ِ الطبيعيّةِ
، خاصّة َ بعدَ تطوّر ِ ونموِّ الحركاتِ العلميّةِ والبحوثِ ، وخلاصة ُ العلمانيّةِ
أنّها حركة ٌ جديدة ٌ تهدفُ إلى إقصاءِ الدين ِ عن الحياةِ ، وبناءِ مؤسساتِ المجتمع
ِ على أصول ٍ مادّيةٍ بحتةٍ ، لا دخلَ للدين ِ فيها من قريبٍ أو بعيدٍ
.
- الوجوديّة ُ : وهي مذهبٌ معاصرٌ ذو جذور
ٍ قديمةٍ ، يقومُ على أساس ِ إبراز ِ قيمةِ الفردِ ، والتأكيدِ على حرّيتهِ ، وأنّهُ
هو أساسُ كلِّ شيءٍ ومنطلقهُ ، وهي مذهبٌ إلحاديٌّ ، أسّسها قديماً كير كجرد ، وفي
العصر ِ الحاضر ِ قامَ أبو الوجوديّةِ جان بول سارتر بإرساءِ دعائم ِ هذا المذهبِ ،
وإقامةِ أصولهِ ، وبناهُ على الإلحادِ والكفر ِ بكلِّ المُثُل ِ والقيم ِ ، وأنّ للإنسان
ِ أن يفعلَ ما شاءَ ، دونَ وازع ٍ أو رقيبٍ .
- الشيوعيّة ُ : وهي مذهبٌ فلسفيٌّ مُعاصرٌ
، أنشأهُ اليهوديُّ كارل ماركس ، يدعو إلى تعظيم ِ المادّةِ ، وأنّها أزليّة ٌ ، ويُفسّرُ
كارل ماركس التاريخَ تفسيراً ماديّاً بحتاً ، ولهم شعاراتٌ عدّة ٌ من ضمنها : لا إلهَ
والحياة ُ مادّة ٌ ، وقد انتشرتْ الشيوعيّة ُ بالقوّةِ والاستعبادِ ، واجتاحتْ بثوراتها
أغلبَ أرجاءِ الأرض ِ ، حتى أذنَ اللهُ بسقوطها ، وبقاءِ بعض ِ فلولها مشتتة ً هنا
وهناكَ .
- الوضعية ُ : وهي مذهبٌ فلسفيٌّ إلحاديٌّ
، يُنكرُ وجودَ أي معرفةٍ تتجاوزُ التجربة َ الحسّية َ ، أسّسهُ اوغست كونت ، ودعى
حينَ تأسيسهِ إلى قيام ِ دين ٍ جديدٍ ، يقومُ على أساس ِ عبادةِ الإنسانيّةِ ، وإحلالها
محلَّ الأديان ِ .
- الداروينيّة ُ : نسبة ً إلى شارلز داروين
، أقامَ مدرستهُ هذه على أساس ِ أنّ الأحياءَ جميعاً لم تُخلقْ كلُّ واحدةٍ منها خلقاً
مُستقلاً ، بل كانَ لها أصلٌ واحدٌ وهو الخليّة ُ البسيطة ُ ، ثمّ أختْ تتطوّرُ وترتقي
من طور ٍ إلى طور ٍ آخرَ ، حتى نشأتِ البشريّاتُ والإنسانُ ، وأنّ الطبيعة َ هي التي
كانت تختارُ الأصلحَ للبقاءِ ، وذلكَ ما عبّرَ عنهُ بمصطلح ِ : الانتخابِ الطبيعيِّ
، أو بقاءِ الأصلح ِ ، ومدرسة ُ داروين تجمعُ في ثنياها كبارَ ملاحدةِ العالم ِ ، والذين
يرونَ أنّ الإنسانَ لا خالقَ لهُ ، وأنّهُ وليدُ ملايين ِ السنواتِ من التطوّر ِ الطبيعي
، والنشوءِ والارتقاءِ بينَ الأنواع ِ المختلفةِ ، وبالرغم ِ من عدم ِ وجودِ أي دليل
ٍ علميٍّ ، يُبتُ صحّة َ نظريّةِ داروين ، إلا أنّها اجتاحت العالمَ الغربيَّ اجتياح
ٍ غريباً ، وأثرتْ فيهِ وفي ثقافتهِ ، حتى بدأتْ تنحسرُ في الآونةِ الأخيرةِ
.
وهناكَ العديدُ من المدارس ِ غيرُ ما ذُكرَ
، وكذلكَ النظريّاتِ ، سواءً ما كانَ منها علميّاً بحتاً ، أو اجتماعيّاً ، أثّرتْ
أو تأثرتْ بالإلحادِ ، وقامت بترسيخ ِ مفاهيمهِ ، ودعتْ إليهِ
.
ومن المؤسفِ حقّاً ، أنّ الإلحادَ حينما
صبغَ الحياة َ العامّة َ في أوروبا ، أصبحَ أمرُ التديّن ِ ، والتمسّكِ بدين ٍ ، أو
الإيمان ِ بالخالق ِ ، شيئاً غريباً ! ، وظاهرة ً تدعو إلى العجّبِ ! ، بعد أن كانت
هي السائدة ُ على نظام ِ الحياةِ ، ومؤسساتِ الحُكم ِ ، وإن كانَ ثمَّ شيءٌ يدعو إلى
التعجّبِ والاستغرابِ ، فهو انتشارُ الإلحادِ في تلكَ الفترةِ ، وانحسارُ الإيمان
ِ باللهِ ، وتعلّقُ الناس ِ بالمادّةِ والطبيعةِ ، ووصفهم للدين ِ بأنّهُ تخلّفٌ ورجعيّة
ٌ .
هذا كانَ عرضاً موجزاً عن بداياتِ الإلحادِ
في العالم ِ الغربيِّ ، فماذا عن العالم ِ العربيِّ والإسلاميِّ
! .
الكلامُ عن حركاتِ الإلحادِ المنظّمةِ في
العالم ِ العربيِّ ، وكذلكَ المُجاهرة ُ بهِ ، وإعلانُهُ على الملأ ، نشأ بعدَ منتصفِ
القرن ِ التاسعَ عشرَ ، حينما بدأ العالمُ الإسلاميُّ والعربيُّ ، يتّصلُ بالعالم
ِ الغربيِّ ، عن طريق ِ إرسالياتِ الدراسةِ ، أو التدريبِ ، وتسبّبَ ذلكَ في رجوع
ِ مجموعةٍ من الطلاّبِ متأثّرينَ بالفكر ِ الأوربيِّ الماديِّ ، والذي كانَ يقومُ على
أساس ِ تعظيم ِ علوم ِ الطبيعةِ ، ورفع ِ شأن ِ العقل ِ ، وكذلكَ تنحية ُ الدين ِ والشرع
ِ ، عن حكم ِ الحياةِ والناس ِ وإدارةِ شئونهم .
في بدايةِ الأمر ِ لم يكن ثمَّ دعوة ٌ صريحة
ٌ للإلحادِ أوالرّدةِ ، وإنّما كانتْ هناكَ دعواتٌ للتحرّر ِ ، أو التغريبِ ، أو فتح
ِ المجال ِ أمامَ العقل ِ ، ومُحاكمةِ بعض ِ النصوص ِ الشرعيّةِ إلى العقل ِ أوالحسِّ
والواقع ِ ، ومحاولةِ إنشاءِ خلافٍ وهميٍّ ، وصراع ٍ مُفتعل ٍ ، بينَ العقل ِ والشرع
ِ .
ومع مرورِ الوقتِ ، وزيادةِ الاتصال ِ بالغربِ
وتراثهِ ، وانتشار ِ موجةِ التغريبِ بينَ الناس ِ ، ظهرتْ بعضُ الدعواتِ الصريحةِ للإلحادِ
وفتح ِ بابِ الرّدةِ ، باسم ِ الحريّةِ الفرديّةِ .
وحينما نشطَ اليهودُ في تركيا ، ودعوا إلى
إقامةِ قوميّةٍ تركيّةٍ ، تحُلُّ محلَّ الرابطةِ الدينيّةِ ، ظهرتْ مظاهرُ عدّة ٌ في
الواقع ِ ، تدعو إلى نبذِ الدين ِ ، وتظهرُ العداءَ لبعض ِ شعائرهِ ، ومع مرورِ الوقتِ
، تطوّرتْ هذه الحركة ُ ، حتى جاءَ مصطفى كمال أتاتورك ، وقامَ بإلغاءِ الخلافةِ ،
وأنشأ الدولة َ التركيّة َ العلمانيّة َ ، وحاربَ جميعَ العلماءِ وسجنهم ، وراجَ على
إثرَ ذلكَ الكفرُ والإلحادُ ، وظهرتْ عدّة ُ كتبٍ تدعو إلى الإلحادِ ، وتطعنُ في الأديان
ِ ، ومنها كتابٌ بعنوان ِ " مصطفى كمال " ، لكاتبٍ اسمهُ قابيل آدم
.
هذه الجرأة ُ في تركيا قابلها جرأة ٌ مماثلة
ٌ ، في مصرَ ، سمّيتْ ظلماً وزوراً عصرَ النهضةِ الأدبيّةِ والفكريّةِ ، بينما هي في
حقيقتها حركة ٌ تغريبيّة ٌ ، تهدفُ إلى إلحاق ِ مصرَ بالعالم ِ الغربيِّ ، والتخلّق
ِ بأخلاقهِ ، واحتذائها في ذلكَ حذوَ تركيّا ، التي خلعتْ جلبابِ الحياءِ والدين ِ
، وصبغتْ حياتها بطابع ِ العلمانيّةِ والسفور ِ والتمرّدِ .
في تلكَ الحقبةِ في مصرَ ، ظهرَ العديدُ
من المفكّرينَ والأدباءِ ، يدعونَ إلى التغريبِ والإلحادِ ، وفتح ِ بابِ الرّدةِ ،
باسم التنوير ِ تارة ً ، وباسم النهضةِ الأدبيّةِ تارة ً أخرى ، ومرّة ً باسم الحرّياتِ
الفكريّةِ ، وتلقّفتْ مصرُ – في تلكَ الفترةِ - دونَ تمييز ٍ ، جميعَ أمراض ِ المجتمع
ِ الأوربيِّ ، وكذلكَ أخلاقهُ المنحلّة َ ، وأصبحتْ قطعة ً من أوروبا ، ومن فرنسا تحديداً
، وعاثَ في أرضها بعضُ المستشرقينَ فساداً وإفساداً ، ثمّ سلّموا دفّة َ الإفسادِ إلى
بعض ِ المصريينَ ، ممن لم يتوانوا في نشر ِ الكفر ِ والإلحادِ ، وسعوا سعياً حثيثاً
إلى إلغاءِ الفضيلةِ والأخلاق ِ الإسلاميّةِ ، وإحلال ِ النفعيّةِ والماديّةِ محلّها
، حتّى أصبحَ دُعاة ُ الإسلام ِ والمُحافظةِ غرباءَ على المُجتمع ِ دُخلاءَ عليهِ ،
ويوصفونَ بالجمودِ والتخلّفِ والعداءِ للحضارةِ !! .
وبما أنّ مصرَ هي رئة ُ العالم ِ في ذلكَ
الوقتِ ، فقد انتقلتْ حمّى الردةِ والإلحادِ ، إلى جميع ِ دول ِ الجوار ِ ، ابتداءً
من الشام ِ ، ومروراً بالعراق ِ ، والخليج ِ بما فيها السعودية ُ ، وانتهاءً ببلادِ
اليمن ِ .
وسأذكرُ الآنَ بعضَ أشهر ِ الملاحدةِ والمرتدينَ
، الذينَ نبذوا الدينَ جانباً ، واستبدلوا بهِ الإلحادَ أو اللادينيّة َ أو كفروا بكلِّ
شرائع ِ الإسلام ِ ، من الذينَ كانوا في تلكَ الفترةِ ، أو بعضَ من يعيشُ في عصرنا
الحاضر ِ ، والذين أعملوا معاولَ الهدم ِ والتخريبِ ، في الأخلاق ِ والدين ِ ، وأرادوا
جعلَ المجتمعاتِ نماذجَ مكرّرة ً من الدول ِ الأوربيّةِ المُنحلةِ الفاسدةِ ، وحاولوا
صُنعَ فجوةٍ بينَ العلم ِ والدين ِ ، وأوهموا أنّ الدينَ يُعارضُ العلمَ والواقعَ ،
ويقفُ دونَ الانطلاق ِ إلى آفاق ٍ جديدةٍ ، ويُحرّمُ الإبداعَ ، ويدعو إلى الكهنوتيّةِ
والتقوقع ِ .
فمن أشهرهم :
- جميل صدقي بنُ محمدِ بن ِ فيضي الزهاوي
، شاعرٌ من شُعراءِ العراق ِ ، وُلدَ سنة َ 1279 هـ في بغدادَ ، وكانَ أبوهُ مُفتي
بغدادَ في تلكَ الفترةِ ، وقد تنقّلَ كثيراً في المناصبِ والوظائفِ ، وهو أحدُ أعمدةِ
التشكيكِ في شعرهِ وآراءهِ ، وقد كانَ ينحى منحى الفلاسفةِ ، ويُقرّرُ طريقة َ الفلاسفةِ
في التعامل ِ مع الأديان ِ ، ومع الغيبياتِ ، حتّى سمّاهُ النّاسُ زنديقاً ! ، وقد
كانَ من المفتونينَ بالعالم ِ الماديِّ ، وبالظواهر ِ الطبيعيّةِ ، مُعظّماً لها ،
وصنّفَ في ذلكَ الكثيرَ من الرسائل ِ والكُتبِ .
- إسماعيلُ بنُ أحمدَ بنُ إسماعيلَ ، والمعروفُ
اختصاراً بإسماعيل أدهم ، أحدُ أبأس ِ الملاحدةِ ، وأشقاهم ، وأكثرهم مأساوية ً وشقاءً
، كانَ من دُعاةِ الشعوبيّةِ ، تنقّلَ في الدراسةِ بينَ مصرَ وتركيّا وروسيا ، وتخصّصَ
في الرياضياتِ ، وحصلَ على شهادةِ الدكتوراةِ فيها ، وكتبَ وألّفَ العديدَ من الرسائل
ِ ، وفي سيرتهِ أشياءُ كثيرة ٌ من نبوغهِ وتقدّمهِ ، منها أنّهُ كانَ يعرفُ العديدَ
من اللغاتِ ، وكذلكَ حصلَ على العديدِ من الشهاداتِ العلميّةِ ، وبعدَ موتهِ حصلَ تشكيكٌ
كثيرٌ في ذلكَ وتكذيبٌ لها ، وقد طعنَ فيهِ الناسُ في حياتهِ وبعدَ موتهِ ، وشكّكوا
كذلكَ في رسائلهِ وبحوثهِ ، وهو أحدُ كُتّابِ مجلّةِ الرسالةِ والمقتطفِ المصريتين
ِ ، وقد كانَ من دعاةِ الألحادِ ، يطعنُ في المسلّماتِ ، ويُشكّكُ في الكثير ِ من الأمور
ِ ، وألّفَ رسالة ً أسماها " لماذا أنا مُلحدٌ " ! ، طُبعتْ في مصرَ بمطبعةِ
التعاون ِ سنة َ 1937 م ، كان عزوبيّاً ، أصيبَ بالسلِّ ، وتعبَ من الحياةِ ، فآثرَ
الموتَ منتحراً غرقاً في الاسكندريّةِ سنة َ 1940 م ، وعثرَ البوليسُ في جيبِ معطفهِ
على رسالةٍ يذكرُ فيها أنّهُ ماتَ منتحراً ، كراهية ً في الحياةِ ، وطالبَ فيها كذلكَ
بإحراق ِ جُثّتهِ ، وعدم ِ دفنها بمقابرِ المُسلمينَ ، وأن يُشرّحَ رأسهُ ! ، نعوذُ
باللهِ من الخذلان ِ والهوان ِ ! .
- إسماعيل مظْهر بنُ مُحمّد بن ِ عبدالمجيدِ
، كان أحدَ دعاةِ الداروينيّةِ في العصر ِ الحاضر ِ ، ومن دعاةِ الشعوبيّةِ ، أنشأ
مجلّةِ العصور ِ في مصرَ وذلكَ في سنةِ 1927 م ، وجعلَ من مجلّتهِ باباً للطعن ِ في
الدين ِ ، ونشر ِ الشعوبيّةِ ، وفتح ِ بابِ الرّدةِ و الإلحادِ ، كانَ معظّماً لليهودِ
، وداعياً للسير ِ على نهجهم وطريقتهم ، وكانَ يُسمّي نفسهُ : صديقَ دارون ، وألّفَ
في الانتصار ِ لنظريّةِ داروين مجموعة ً من المؤلفاتِ ، ثمّ اعتنقَ الفكرَ الشيوعيَّ
، وأنشأ حزباً أسماهُ حزبَ الفلاح ِ ، جعلهُ منبراً لنشر ِ الشيوعيّةِ والاشتراكيّةِ
، ثمّ في آخر ِ عمرهِ أعرضَ عن كلِّ ذلكَ ، ورجعَ عن الكثير ِ من آراءهِ ، وألّفَ كتاباً
أسماهُ " الإسلامُ لا الشيوعيّة ُ " ، وقد كانتْ وفاتهُ سنة َ 1381 هـ بينما
ميلادهُ سنّة َ 1308 هـ .
- أحمدُ لطفي بنُ السيّدِ أبي علي ، أحدُ
دعاةِ التغريبِ الكبار ِ ، من المُعادينَ للعالم ِ الإسلاميِّ ، وأحدُ الذين يُحاربونَ
الفُصحى ، ويُحاربونَ الرابطة َ الدينيّة َ ، ولهُ مواقفُ تدلُّ على كرههِ الشديدِ
للتعاليم ِ الدينيّةِ ، وللتديّن ِ عموماً ، وهو من دعاةِ العلمانيّةِ البارزينَ ،
وهو الذي قامَ بترجمةِ كتبِ أرسطو إلى اللغةِ العربيّةِ ، فاتحاً باباً جديداً للتغريبِ
، ولم يكن يقصدُ من ذلكَ نشرَ المعرفةِ والعلم ِ ، وإنّما أرادَ نشرَ الثقافةِ الغربيّةِ
، وأصولهم المعرفيّة َ ، حتى يبتعدَ المسلمونَ عن دينهم ، ويقتفونَ أثرَ الغربِ ، وكانتْ
لهُ مواقفُ مخزية ٌ ، منها أنّهُ سافرَ إلى إسرائيلَ ، وألقى محاضرة ً في الجامعةِ
العبريّةِ ، وكانَ أحدَ من استقبلَ الوفدَ اليهوديَّ بمصرَ ، وضيّفهم عندهُ ، ولهُ
مواقفُ سافرة ٌ يدعو فيها إلى التعاون ِ مع البريطانيينَ إبّانَ احتلالهم لمصرَ ، ويبحثُ
لهم عن المسوّغاتِ والمبرّرات ِ لسياستهم الاحتلاليّةِ ، ويسمّيهِ بعضهم أستاذَ الجيل
ِ ، وتولّى آخر ِ عمرهِ رئاسة َ مجمع ِ اللغةِ العربيّةِ بالقاهرةِ وظلَّ رئيساً لها
مدّة َ 18 عاماً ، وقد توفيَ سنة َ 1382 هـ بالقاهرةِ ، بينما كانَ مولدهُ سنة َ
1288 هـ .
- طه بنُ حسينَ بن ِ علي بن ِ سلامة َ ، الأديبُ
المصريُّ الشهيرُ ، وأحدُ روّادِ ما يُسمّى بالنهضةِ الأدبيّةِ في مصرَ ، ومن كِبارَ
التغريبيينَ ، وأحدِ أعمدةِ مدرسةِ التشكيكِ ، لم يكن يؤمنُ بشيءٍ إلا الغربَ وقيمَهُ
وتعاليمَهُ ، كانَ مُتشكّكاً وحائراً ، ووصفَ فتحَ المُسلمينَ لمصرَ بأنّهُ احتلالٌ
غاشمٌ ! ، ودعا إلى تحرير ِ وتجريدِ مصرَ من هوّيتها العربيّةِ والإسلاميّةِ ، وهو
من الذينَ يقفونَ موقفاً عدائياً ضدَّ جميع ِ حركاتِ المقاومةِ الشعبيّةِ ، ضدّ المُحتلِّ
والغازي ، بل كانَ يدعو الأوربيّين لاحتلال ِ العالم ِ العربيِّ ، حتى يستفيدَ العربُ
من علومهم وتطوّرهم ، وقد أشيعَ أنّهُ تنصّر في فرنسا ، وزوجتهُ فرنسيّة ٌ ، وهو كذلك
أحدُ أخلص ِ طلاّبِ وأتباع ِ مرجليوث اليهوديُّ الحاقدُ على الدين ِ ، ولطه حسين مواقفُ
معادية ٌ للدين ِ وأهلهِ ، كفّرهُ فيها جمعٌ غفيرٌ من العلماءِ ، وأصولهُ أصولُ الملاحدةِ
في أكثرِ ما يكتبهُ وينشرهُ ، توفيَ سنة َ 1393 هـ ، بينما كانت ولادتهُ سنة َ
1307 هـ .
- صادق جلال العظم : أحدُ أساطين ِ الفكر
ِ الشيوعيِّ الماديِّ ، ومُلحدٌ من كِبار ِ الملاحدةِ ، ممّن أخذَ يُجاهرُ بالإلحادِ
، ويدعو إليهِ ، قضى عمره في السخريّةِ من المُسلمينَ ومن دينهم ، وكفرَ بكلِّ شيءٍ
إلا المادّة ، وألّفَ كتاباً يقرّرُ فيهِ الإلحاد أسماهُ " نقد الفكر ِ الدينيِّ
" ، وقد حشاهُ بالمغالطاتِ والسفسطةِ ، وزعمَ أنّهُ أقامَ فيهِ براهينُ تُبتُ
عدمَ وجودِ اللهِ ، وأنّ كلَّ ذلكَ من الأوهام ِ والأساطير ِ ، وقد ردَّ عليهِ الكثيرونَ
، من أشهرهم الشيخُ : عبدالرحمن حبنّكة الميداني ، في كتابهِ " صراعٌ مع الملاحدةِ
حتى العظم ِ " .
- عبداللهِ بنُ عليٍّ القصيميُّ : أحدُ أشهر
ِ الملاحدةِ المُعاصرينَ ، وأكثرهم غلواً وتطرّفاً ، وأوقحهم جرأة ً وتبجّحاً ، وأقساهم
عبارة ً ، وأقلّهم أدباً ، كانَ قبلَ إلحادهِ صاحبَ علم ٍ ، وقد كتبَ في شبابهِ مجموعة
ً من الكُتبِ والبحوثِ العلميّةِ ، كانَ بعضها بطلبِ علاّمةِ الحجازِ الشيخ ِ : محمد
حُسين نصيف – رحمهُ اللهُ - ، ومن أشهرها كتابهُ " الصراعُ بينَ الوثنيّةِ والإسلام
ِ " ، وقد ألّفَ الجزءَ الأوّلَ منهُ في وقتٍ يسير ٍ جدّاً ، وقد طُبعَ في المكتبةِ
السلفيّةِ ، ولهُ كتبٌ أخرى في فترتهِ تلكَ ، ولا تخلو كتبهُ من لغةِ الكبرياءِ والغرور
ِ ، وظهور ِ سقطاتٍ تدلُّ على سوءِ طويّةٍ ، واحتقار ٍ للنّاس ِ ، وهذا ما ظهرَ مع
مرورِ الزمن ِ ، إذا قامَ بإعلان ِ ردّتهِ وإلحادهِ ، وألّفَ كتابهُ " هذه الأغلالُ
" ، وجاهرَ بدعوتهِ الجديدةِ ، ولقيَ أذىً كثيراً ، وخرجَ متغرّباً بينَ البلدان
ِ ، وعاشَ في حيرةٍ وقلق ٍ كبيرين ِ ، دعتهُ إلى محاولةِ الانتحار ِ ثلاثَ مرّاتٍ ،
واستقرّ آخرَ حياتهِ بمصرَ ، وألّفَ مجموعة ً كبيرة ً من الكتبِ الداعيةِ للتحرّر
ِ من سلطةِ الدين ِ والفضيلةِ والأخلاق ِ ، ولهُ منهجٌ غلا فيهِ كثيراً ، حتّى تحاماهُ
النّاسُ وأعرضوا عنهُ بسببهِ ، وهو من دعاةِ الصهيونيّةِ العربِ ، ولهُ مقالاتٌ وعباراتٌ
بشعة ٌ في حقِّ اللهِ وحقِّ رسلهِ ، لم تصدرْ إلا من أوقح ِ النّاس ِ وأخبثهم قلباً
وسريرة ً ، فلعنهُ اللهُ ما كان أقسى قلبهُ وأشدَّ جرأتهُ على خالقهِ ومولى نعمهِ
! ، من أكثر ِ كتبهِ تطرّفاً كتابهُ " أيّها العقلُ من رآكَ ؟ " وكتابُ
" الإنسانُ يعصي لهذا يصنعُ الحضاراتِ " ، توفّي سنة َ 1422 هـ بالقاهرةِ
، بينما كانتْ ولادتهُ سنة َ 1327 هـ .
- فهدُ بنُ صالح بن ِ محمّد ٍ العسكرُ : شاعرٌ
كويتيٌّ ماجنٌ ، وداعية ٌ إلى التمرّدِ على الأخلاق ِ والفضيلةِ ، ومن كبار ِ المتشككّينَ
والساخرينَ بالأديان ِ في شعرهِ ، نشأ وترعرعَ في كنفِ أبيهِ ، وكانَ في شبابهِ مُحافظاً
، ثمَّ قرأ في مجموعةٍ من الكتبِ والدواوين ِ الفكريّةِ ، ممّا أوجبَ لديهِ الحيرة
َ والشكَّ ، فمالَ معها ، وتعاطى الخمرَ وأدمنها ، وطفحَ شعرهُ بالكفر ِ والاستهزاءِ
والعهر ِ والمجون ِ ، ولمّا زادَ أمرهُ واستفحلَّ تبرّأ منهُ أهلهُ ، فاعتزلَ النّاسَ
بغرفةٍ صغيرةٍ مُظلمةٍ ، وأصبحَ سميرهُ فيها الخمرُ والشعرُ والقلقُ والحيرة ُ ، عميَ
في آخر ِ عمرهِ ، ونصحهُ الأطباءُ بتركِ الخمرةِ فأبى ، فساءتْ صحّتهُ جداً ، وأدخلَ
المُستشفى فماتَ بعدَ فترةٍ ، ولم يُصلِّ عليهِ أحدٌ من أهلهِ ، وقاموا بإحراق ِ جميع
ِ أوراقهِ وبقايا شعرهِ ، توفّي سنة َ 1370 هـ بالكويتِ ، بينما كانتْ ولادتهُ سنة
َ 1327 هـ .
- زكي نجيب محمود : فيلسوفٌ مصريٌّ مُعاصرٌ
، من روّادِ المدرسةِ الوضعيّة المنطقيّةِ المُلحدةِ ، والتي أسّسها اوجست كونت ، ومن
زعماءِ التغريبِ في العالم ِ العربيِّ ، وقد حملَ لواءها بعد هلاكِ طه حُسين ، وعملَ
على إرساءِ دعائمها ، محارباً كلَّ دعوةٍ للتمسّكِ بالتراثِ الأصيل ِ ، وداعياً إلى
بتر ِ العلاقةِ بينَ الشعوبِ ، وبينَ ماضيها ، ولهُ مصنّفٌ في الغيبِ سمّاهُ
" خرافة َ الميتافيزيقيا " ، أنكرَ فيهِ الغيبياتِ ، ودعى إلى تقديس ِ العقل
ِ ، واعتبارهِ أساسَ المعرفةِ ، كما أنّ لهُ كتاباتٍ تدعو إلى أحياءِ فكر ِ الباطنيّةِ
والشعوبيّةِ ، وقد تقلّدَ عدّة َ مناصبَ في حياتهِ ، وتولّى رئاسة َ بعض ِ المجلاّتِ
، توفّي سنّة َ 1414 هـ ، بينما كانتْ ولادتهُ في سنةِ 1323 هـ
.
- عليٌّ بنُ أحمدَ بن ِ سعيدٍ المعروفُ بأدونيسَ
: صنمُ الحداثةِ المُعاصرُ ، ورأسها في العالم ِ العربيِّ ، وأحدُ الملاحدةِ المشاهير
ِ ، تسمّى باسم ِ أدونيسَ ، وهو أحدُ أصنام ِ الفينيقيينَ ، كانَ في أوّل ِ أمرهِ نُصيرياً
، ثمّ أنتحلَ الطريقة َ الشيوعيّة َ ، وأعلنَ إلحادهُ ، وهو من دعاةِ الحداثةِ الكبار
ِ ، ولهُ مؤلفاتٌ تضجُّ بالكفر ِ الصُراح ِ ، وبالإلحادِ والكفر ِ بكلِّ شيءٍ ، مع
ما فيها من الجرأةِ السافرةِ ، والتطاول ِ المقيتِ على ذاتِ اللهِ جلَّ وعلا
.
هؤلاءِ هم بعضُ روّادِ الإلحادِ والرّدةِ
في العالم ِ العربيِّ ، ولهم أتباعٌ ومحبّونَ ومريدونَ ، وهناكَ من يُعظمُ هؤلاءِ ويُقدسهم
، ويجعلهم في أعلى المراتبِ والمنازل ِ ، وينشرُ كُتبهم ويّذيعُ أخبارهم ، ويدعو إلى
انتهاج ِ طرقهم ، وخلع ِ أكبر ِ الأوصافِ والنعوتُ عليهم ! .
عندما نقرأ في سير ِ وكتبِ هؤلاءِ الملاحدةِ
، فإنّنا نجدُ فيها قواسمَ مشتركةٍ ، تتجلّى بوضوح ٍ لكلِّ قارئ ، ومن أبرز ِ ذلكَ
:
- إنكارهم للغيبِ جملة ً وتفصيلاً ، وقصرهم
الإيمانَ بحدودِ الملموس ِ والمحسوس ِ – فقط - ، دونَ ما غابَ عن العين ِ ، أو لم يُمكن
إدراكهُ بالحسِّ .
- استهزائهم بالشعائر ِ الدينيّةِ جميعها
، ووصفهم لأهلها بالرجعيينَ والمتخلّفينَ ، ومحاربة ُ أي دعوةٍ تدعو إلى التديّن ِ
، أو صبغ ِ الحياةِ بمظاهر ِ الدين ِ .
- ميلهم نحوَ احتقار ِ العربِ ، واحتقار
ِ عاداتهم وسلوكهم ، ومدحهم للشعوبيّةِ والباطنيّةِ .
- دعوتهم للتغريبِ والالتحاق ِ بالغربِ ،
والأخذِ بجميع ِ ثقافاتهم وأمورهم الحياتيّةِ ، والتعلّمُ منهم ومن سلوكيّاتهم
.
- حربهم الشرسة ُ على الأخلاق ِ والعاداتِ
الحميدةِ ، وادّعائهم أنّهُ لا يوجدُ شيءٌ ثابتٌ مُطلقاً ، وأنَّ الحياة َ والأخلاقَ
والعاداتِ ، في تطوّر ٍ مستمرٍّ ، وأنّ الثباتَ على الشيءِ إنّما هو من شأن ِ الغوغائيينَ
والمُتخلّفينَ والرجعيينَ .
- تعظيمُ المادّةِ والطبيعةِ ، وكذلكَ تعظيمُ
جميع ِ العلوم ِ الطبيعيّةِ ، وجعلهُ أساسَ كلِّ الحضاراتِ ، وافتعال ِ صراع ٍ مزعوم
ٍ بينَ الدين ِ والعلم ِ التطبيقيِّ .
- منعهم من محاربةِ الاحتلال ِ ، ووقوفهم
دائماً ضدّ المقاوماتِ الشعبيّةِ ، ووصفها بصفاتٍ بشعةٍ ، والدعوة ُ إلى مهادنةِ الغازي
والتعايشُ معهُ .
- تعاونهم الوثيقُ مع الصهيونيّةِ والماسونيّةِ
، ومدحهم اللامحدودَ لليهودِ وللصهاينةِ ، وهذه سمة ٌ غالبة ٌ على جميع ِ الملاحدةِ
والمرتدّينَ ، حيثُ يجعلونَ إسرائيلَ أفضلَ أهل ِ الأرض ِ ، ويميلونَ إليهم ويمدحونهم
، ويدعونَ إلى التعايش ِ معهم وقبولهم ، ويقدحونَ في حركاتِ المقاومةِ وفي أطفال ِ
الحجارةِ .
- يدّعي الملاحدة ُ أنّ الدينَ سببٌ للتناحر
ِ ونشر ِ البغضاءِ في الأرض ِ ، وأنّهُ تسبّبَ في إشعال ِ وإذكاءِ نار ِ الحروبِ ،
في الكثير ِ من بقاع ِ الأرض ِ ، وقد حانَ الوقتُ لتركهِ والتخلّي عنهُ
.
أيّها الإخوة ُ الكرامُ : إنّ القراءة
َ في سير ِ هؤلاءِ المرضى ، والوقوفُ على دقائق ِ حياتهم ، ومدى ما كانوا يعيشونهُ
من أمراض ٍ وشكوكٍ وساوسَ وحيرةٍ وقلق ٍ ، ليدعونَ إلى التسائل ِ : ما الذي جنوهُ من
إعراضهم عن الدين ِ غيرَ الهمِّ والغمِّ والنكدِ ! ، ولمذا كفرَ هؤلاءِ بالإسلام ِ
، ثمّ آمنوا باليهودِ وبقوّتهم ، وأصبحوا صفّاً واحداً مع اليهودِ ، ضدَّ العربِ والمسلمينَ
! .
إنّ انتشارَ الإلحادِ والرّدةِ ورواجهما
، لا يعني بحال ٍ من الأحوال ِ صحّةِ هذا النهج ِ ، وبخاصّةٍ ونحنُ نرى كيفَ تحوّلَ
هؤلاءِ إلى مسوخ ٍ ، تُدارُ بيدِ اليهودِ ، ويستغلّها اليهودُ لصالحهم ، وكيفَ أصبحوا
ضدّ شعوبهم ، وضدّ أوطانهم في صفِّ الغازي والمُحتلِّ ، وما انتشارُ الإلحادِ والرّدةِ
، إلا مثلُ انتشار ِ السرقةِ والزنا والخنا والفجورَ ، كلاهما سوءٌ وشرٌّ انتشرَ ،
والنّاسُ تهوى التحرّرَ ، وتعشقُ التمرّدَ ، وتُحبُّ الانفلاتَ ، سواءً كانَ في الأخلاق
ِ ، أو كانَ في الأفكار ِ ، وهذا هو ما يُفسّرُ لنا سببَ شرع ِ الحدودِ ، والدعوة
َ إلى إقامتها ، ذلكَ أنّ الحدودَ حائلة ٌ بينَ النّاس ِ وبين انفلاتهم ، ومانعة ٌ
لهم من التمرّدِ على القيم ِ والفضائل ِ ، ورادعة ٌ لهم عن كلِّ ما يسبّبُ لهم الحيرة
َ والاضطرابَ ولو بدا في منظر ٍ حسن ٍ وبهيٍّ .
إنّ الحدودَ لم تُشرعْ حتّى يتشفّى الحاكمُ
في المحكومينَ ، أو شُرعتْ لتكونَ مانعاً من الحرّياتِ ، كلاّ ، إنّما شُرعتْ لتكونَ
مانعاً من الفوضى الفكريّةِ ، والفوضى السلوكيّةِ ، وحائلاً بينَ الإنسان ِ وبينَ مشابهةِ
البهائم ِ ، والتي تعيشُ بلا هدفٍ وبلا قيدٍ أو ضابطٍ ، ولو أنّ كلَّ شخصٍ تُركَ على
هواهُ ومبتغاهُ لفسدتِ الأرضُ ، وفسدتِ الأعراضُ ، وانتشرتِ الرذيلة ُ
.
أليسَ حدُّ الرّدةِ وتطبيقهُ ، والأخذُ
على يدِ السفهاءِ من الملاحدةِ والزنادقةِ ، بأولى أن يُطبقَ من حدِّ الزنا وحدِّ الحرابةِ
! .
أليسَ العدوُّ الصائلُ الذي يُغيرُ على
الأديان ِ ، بأولى أن يُكفَّ ، من العدوِّ الذي يصولُ على الأموال ِ والأبدان ِ
! .
أليسَ الأمنُ الفكريُّ ، والانضباطُ المعرفيُّ
، أولى بالتشريع ِ والمحافظةِ ، من المُحافظةِ على الأملاكِ العامّةِ وعلى القطع ِ
الأثريةِ وبقايا الحصون ِ والقلاع ِ ! .
وأنا إذ أرى هذه الموجة َ الغريبة َ ، الجانحة
َ نحوَ نبذِ الدين ِ ، ونبذِ جميع ِ الموروثِ منهُ ، لأتعجبُ إذ أقرأ إحصائية ً نُشرتْ
في أمريكا ، حيثُ قمّة التطوّر ِ ، وبلوغ ِ الغايةِ القصوى من الحضارةِ والتكنولوجيا
، أجرتها مجلّة ُ نيويورك تايمز ، في عددها الصادر ِ بتاريخ ِ 27/2/1993 ص 6 ، ذكرتْ
هذه الإحصائية ُ أنّ عددَ الأمريكان ِ الذين يؤمنون بوجودِ اللهِ ، يشكّلونَ ما نسبتهُ
96 % من الشعبِ الأمريكيِّ .
لاحظوا ارتفاعَ النّسبةِ ، في دولةٍ هي
أكبرُ دولةٍ صناعيّةٍ ومتحضّرةٍ في العالم ِ ، فأينَ أوهامُ الملاحدةِ وظنونهم الداعية
ُ إلى نبذِ الدين ِ والإيمان ِ بالغيبِ ، لأنّهُ يُعارضُ الحضارة َ ، ويجعلَ من الشعوبِ
متخلّفة ً ورجعية ً !! .
ربّنا لا تُزغْ قلوبنا بعد إذ هديتنا ،
وهبْ لنا من لدنكَ رحمة ً إنّكَ أنتَ الوهّابُ .

0 التعليقات:
إرسال تعليق